ضحد كذبة نهاية التضخم
ضحد كذبة نهاية التضخم
الجزء الأول:
مدخل:
الغريب في هذا الامر، هذه المرة هو أن جهات معينة غير واضحة، حاولت أن تصوير انخفاض أسعار بعض المواد الأساسية الاستهلاكية، كما رصدها التقرير على أنها نهاية لأزمة طويلة في المغرب من التضخم، عبر بروبغدا إقتصادية مؤذية أكثر مما تفيد، و في ملاحظة أولية و مبدئية يجب الانتباه لها، بل و الانطلاق منها، و هي تتكون من نقطتين و هما كالاتي :
_ اولا: ما جاء في التقرير الصادر عن المندوبية و الصادر بتاريخ 20.10.2023, والذي حدد نسبة التضخم على أساس سنوي في معدل %4,9.
_النقطة الثانية: هي ان تقرير صادر عن نفس المندوبية، عن فترة يناير من السنة الحالية 2024، يؤكد التقرير أن معدل التضخم، إزداد وضعه سوءا، بأن أضيفت له %2,3، عن فترة يناير فقط. هذا الامر يفترض أن يجعل الاوساط الاقتصادية تستنفر و تستعد للأسوأ، خصوصا أمام غياب تام لاي حلول إستشرافية في المديين القريب، أو البعيد، و لأي حلول إستراتيجية، أو منهجية تعمل على معالجة أزمة إقتصادية آخذة في الاستفحال، و يبدو انها ستعمر طويلا، بل ستتحول إلى هيكلية، و أسبابها ستتحول إلى عناصر بنيوية مزمنة في تركيب الازمة، و طبعا إستمرار الوضع على ما هو عليه ستتطور معه مظاهر أخرى للازمة، و بواطنها تصل إلى إنهيارات إقتصادية، مالية، و مع وجود بروبغندا تلهي، و تغالط عن حقيقة الوضع، لتقدم مغالطات للتأثير على الرأي العام بشكل يخدم هذه الجهات من الناحية السياسية، و الامنية، و الاقتصادية، و التي تحرك هذه الدعاية التي تشبه عملية التدمير الذاتي.
تمهيد:
بفعل أن تشخيص الأزمة، و إدعاء حلها، و نهايتها كان ذبأ الهدف منه أن ينتج نوع من التراخي في التعامل مع حقيقة الازمة المعقدة، و المخيفة، ذلك ان المعطيات المعيشية المغلوطة التفسير، و التي يقدمونها في إطار إدعائهم الحل النهائي للتضخم، ستفضي إلى عواقب وخيمة على عدة مستويات منها إضطراب الذاكرة الاقتصادية، و الوعي الاقتصادي، و صحة المعلومة الاقتصادية المتداولة، إعلاميا، و شعبيا، و أثرها على المعطيات المفتاحية التي يبنى عليها في إتخاذ قرارات، و رسم على أساسها مخططات صحيحة، تستجيب فعليا للإحتياجات العملية ميدانيا.
ملاحظة:
إن الاعمال الدعائية عندما لا تكون إحترافية، و تخصصية، لا تنجح بالضرورة عن طريق المغالطات، و المعلومات المكذوبة، إن الاثر الفوري، قد يلبي حاجيات آنية، لفئات محدودة، لكن بعد ذلك حتما تقع الكارثة، و على الجميع هنا، قد يظهر الاثر لاحقا في مجالات أخرى كالسياسة، و المجتمع، و الاعلام، و على المستوى الجماهيري... لكن في الشأن الاقتصادي الصرف، فالنتيجة كارثية على المديين المتوسط و البعيد.
إن إنخفاض أسعار بعض المواد الاستهلاكية، كما تم تقديمه من طرف مجموعة من المحللين، و المنابر الاعلامية، على انه نهاية للتضخم، إنما هو مغالطة كبيرة، و من الناحية القانونية هو نشر لاخبار زائفة، مما يستوجب تحرك قانوني لمعاقبة المدلسين. لان الاسباب الحقيقية التي تسببت في إنخفاض أسعار هذه المواد، لا يمكن ان تنسب إلى حنكة جهة ما قادرة على التحكم و توجيه معطيات، و مكونات الاقتصاد، و الازمة، أو إدارتها لتخفيض التضخم و نسبته.
العوامل:
لكن هناك عوامل داخلية و أخرى خارجية هي التي أدت إلى هذه الانخفاضات، و على رأسها إلغاء إتفاقية الصيد البحري في المناطق الجنوبية في الصحراء، بإعتبارها أرض منزوعة السيادة تحت إشراف بعثة المينورسو الاممية، و متنازع عليها بغير حسم إلى حدود هذه اللحظة في أروق الأمم المتحدة.
أيضا بسبب إغلاق معبر الكركرات الحدودي مع موريتانيا، الذي كان المغرب يصدر من خلال هذا المعبر جزء مهم من صادرات البواكر، و الحوامض، و القليل من السلع المصنعة، بما أحدث نذرة في هذه المواد التي إرتفع عليها الطلب الداخلي، ما رفع أسعارها داخليا.
1-خارجية:
كما ان أسواق اوروبا في الفترة الاخيرة، بدأت تضيُّقُ على شاحنات نقل الصادرات الفلاحية القادمة من المغرب، و الفلاحون الاوروبيون المتضررون من منافسة الصادرات المغربية تجاه اوروبا، يستندون على تقارير علمية توثق إحتواء المنتوجات الفلاحية المغربية مواد مسرطنة، نتيجة سقيها بالمياه العادمة من الصرف الصحي، دون تكرارها أو تدويرها حتى !.
بالتالي عدم القول أن الظرفية الدولية هي من تحكمت في خفض أسعار بعض المواد الاساسية، و ليس نتيجة تدبير للمعطيات الميدانية أو جهد مقصود من جهة ما، في إطار إدارة الاقتصاد خطأ كبير يجب الاقرار به، يعبر خطأ.
2-داخلية:
زد على الامر الاوضاع السياسية في المغرب ، حيث حكومة أخنوش، و برنامجها الانتقامي من الشعب المغربي، لاعادة التربية، او التأديب، كما صرح أخنوش نفسه في مؤتمر جماهيري لحزبه السياسي، الذي ترشح بألوانه السياسية لرئاسة الحكومة، حيث في فترة قصيرة، أسعار المواد الطاقية شهدت إرتفاع صاروخي، جاء متزامن مع إنتشار جائحة وباء كورونا، فبلغت قيمة الفاتورة الطاقية التي تلاعبت بأسعارها شركات المحروقات المحلية، و الاجنبية المتواطئة فيما بينها، و على رأسها شركة المحروقات، خاصة رئيس الحكومة المغربية السيد عزيز أخنوش، حيث بلغت قيمة الفاتورة الطاقية في سنة 2022 و حدها 16 مليار دولار، لتصل ارباح شركة اخنوش رئيس الحكومة للمحروقات لوحدها 45 مليار درهم، أي حوالي 4,5 مليار دولار، في ذات السنة فقط، نتيجة سياسة العقاب التي أقنع الحكام انها عقاب على المغاربة لمصلحتهم، بينما الحقيقة أنه إفتعل هذه السياسة الفتنة لإفراغ جيوب المغاربة، لكن لمصلحة جيبه الخاص، و ليس بإتجاه الخزينة العامة، و هذا ليس عقاب إنما سياسة فتنة، و إنتقام سياسي، و عرقي، و جشع، عبر فتنة زادت من كلفة الاقتصاد الوطني على المقاولات الوطنية، و المستثمر الاجنبي، و خلقت حالة من عدم اليقين، جعلت الكثير من المستثمرين يقررون مغادرة المغرب نهائيا، و منعت آخرين من ولوج حقل الاستثمار في الاقتصاد الوطني، و ثمنها سيؤديه المواطن البسيط، و النظام على حد سواء على مدى عقود طويلة قادمة، يجتر فيها الإقتصاد المغربي تبعات هذه الأزمة المفتعلة.
3-التطبيع:
بالاضافة إلى معطى سياسي إستثنائي عاشه المغرب، و المتجسد في التطبيع، لكن ما يهم في موضوع التطبيع هنا، هو أثره الاقتصادي، حيث أفرز عدة إتفاقيات إقتصادية، و إستثمارات، ركزت على مجال الزراعة، للسيطرة على العقارات الفلاحية، و القضاء على بنك البذور الاصيلة المغربي، و تعويضه ببذور مستوردة من إسرائيل، لايمكن إعادة إستنباتها مرة أخرى رغم كلفتها العالية جدا، و إستغلال الفرشاة المائية حد الاستنزاف، عبر زراعة فاكهة الافوكا، التي تحتاج الى كميات من الماء غير عادية، و المخصصة في النهاية للتصدير للأسواق الخارجية، دون أي إستفادة للإقتصاد الوطني، لان الزراعة في المغرب و من مياهه، و تصدير من المغرب ايضا، لكن الاداء من البلد المستورد إلى إسرائيل، أو ابناك دولية، و عبر حوالات مالية بنكية، خارجية.
4-الجشع:
ساهم إبتداع ما سمي إعادة تثمين المنتوج الفلاحي في تسريع تفاقم الأزمة، و هنا يبدو جليا سوء التدبير، و إنعدام الكفاءة، بحيث نفس المنتوجات تعرضت، لاعادة تقييم للأسعار بإتجاه رفعها على المستهلك النهائي دون مبرر إقتصادي، مثل إرتفاع كلفة إنتاجها، و هذا نوع من أنواع التضخم، الذي انتج ازمة غذائية، و إجتماعية، و إقتصادية، على الرغم من أنها منتوجات فلاحية، أي أن القيمة المضافة التي تقدمها كمنتوجات في كونها غذاء للسكان، و بالتالي هي مواد و منتوجات حيوية، ولا تصلح للمضاربة الاقتصادية، يعمل المنطق الاقتصادي العالمي بكل منظوماته عبر العالم جاهدا على توفيرها كمساعدات إجتماعية عينية للطبقات المعوزة، أو على أقل تقدير، تكون أسعارها مدعومة.
خلاصة:
في ختام هذه الفقرة من الحكمة أن يتضح جليا من تسبب حقيقة بجهله علوم الاقتصاد، في إحدث أزمة التضخم مباشرة، و التي إستنزفت مالية الدولة، و المواطنين على حد سواء، عبر مقولته المشهورة، إعادة تثمين المنوجات الفلاحية.
الجزء الثاني:
الظرفية العامة:
وفي سياق ذي صلة و من العناصر الدولية، التي ساهمت في خفض أسعار بعض المواد الإستهلاكية في السوق الوطنية، هو أن الاسواق التي كان يعول عليها المغرب لربط علاقات تجارية معها، هي نفسها تعاني في هذه الفترة من تبعات السياسة الدولية، و الصراعات الدولية المشتعلة في عدة مواقع، بالاضافة إلى ركود عالمي، ما جعل صادرات المواد الاستهلاكية الاساسية، تنخفض حتى في هذه الأسواق، أدت هذه الظروف إلى إعادة توجيه هذه الصادرات إلى السوق الداخلية، و بالنظر إلى أن المغرب بدوره يعاني من ركود مزمن نتيجة ضعف القدرة الشرائية البنيوي، و التاريخي، و سياسة إعادة التربية بالتفقير الممنهج للطبقات الكادحة، و المعوزة، و التي تشكل الشريحة السكانية الاوسع في المجتمع.
القروض:
أيضا من جملة العوامل مراهنة المغرب على خيارات سياسية، و إقتصادية، مثل الاستمرار في خيار الغرق عن طريق القروض الدولية، التي سيسبب سدادها بسبب كثرتها في الفترة المقبلة في عجز كبير جدا في الموازنة العامة، و إن وفر سيولة تغطي نفقات اللحظة الراهنة، بدون توفر على موارد للسداد، مما أعطى سيولة مرحلية ساهمت في خفض هذه الاسعار.
تجاذبات:
الظروف الاقتصادية المحيطة بالمغرب تؤشر على وجود معطيات متقلبة بشكل متسارع، لذلك في رأيي المتواضع تحيل على القول أن الازمات في بدايتها، و أنه يجب فعلا الاستعداد للأسوأ، خصوصا مع تأجج الصراع الدولي، و عودة المعسكر الشرقي من خلال تحالف روسيا، و الصين، و إيران الاستراتيجي، و حلفائهم مع وجود مشروع عالم متعدد الاقطاب، و القوى، لانه و بغض النظر عن مسألة إنخفاض بعض الاسعار، المؤشرات الماكرو إقتصادية، تجعل من إنخفاض الاسعار النسبي، و المؤقت، حالة شكلية، و مرحلية في مسار تطور حالة الركود، و الكساد المُفضيان إلى الانهيار، الوشيك، بخاصة عند معرفة أن أسباب الانخفاض في الأسعار أغلبها خارجة عن إرادة إدارة الاقتصاد الوطني الكلي.
القدرة الشرائية:
حالة ضعف القدرة الشرائية المزمن خلق ردة فعل شعبية باردة جراء إنخفاض الاسعار المسجل، وهو طبعا لا يعني حل الازمة، لانه إذا ظهر بوضوح أن اسباب الانخفاض النسبي هي خارجية في أغلبها، و خارج سيطرة المنظومة الإقتصادية في حد ذاتها بكل مكوناتها، ذلك أن 90% من الفئة النشطة في المجتمع لا تتجاوز قيمة راتبها 180 دولار في أحسن الأحوال، فضلا عن نسبة الإعالة التي هي في المغرب من بين أعلى النسب في العالم، و ينظر أيضا في نفس النقطة مؤشر نسبة الفقر خصوصا بعد جائحة وباء كرونا، حيث إرتفعت إلى أكثر من 40% من مجموع السكان أصبحو يحتاجون إلى مساعدات إجتماعية عاجلة، و هذه نسبة لا توجد حتى في البلدان التي حدثت بها كوارث طبيعية هائلة مثل زلزال تركيا الذي خلف عشرات آلاف الضحايا.
اثر كل هذه المعطيات مجتمعة على التضخم، هو الرغبة في التحكم في نسبة السيولة المتداولة لتغطية المعاملات التجارية، و المالية، و الإقتصادية، و التمويل... للوصول إلى تحكم سياسي، و أمني، لفئة محدودة تريد افستحواذ على الإقتصاد الوطني، و تسخيره لتحقيق مصالح شخصية لا غير، و طحن بقية الناس، لتحقيق سيطرة، و هيمنة سياسية، ولكنها كل هذه التدابير تهيج أكثر عندما تلتقي بحالة الإحتكار، التي جعلت حوالي 50% من مجموع السيولة النقدية بيد جهة واحدة، هذا الإستحواذ، و الإحتكار ساهم في جعل مفهوم التضخم في المغرب يتحدد بشكل مغايير للطبيعي في دول العالم، لأن الجهة الوحيدة التي تتحكم في الأموال، و السيولة هي وحدها من تعيش هذا التضخم، لأنها تعاني من تخمة ماية، أصبحت تجهل مع هذه التخمة، ماذا تفعل بالأموال غير المجون، و تمويل التفاهة؟.
الإدارة الإقتصادية:
البنية التنظيمية، و الهيكلية، و المؤشرات الكبرى، و الرئيسة تظل الارقام فيها تحيل الى النتيجة ذاتها، و هي إحالة على العجز، و الفشل، و تنذر بقرب ظهور بواطن الازمة المخفية، مع الانهيار الكبير المرتقب، و الذي تتوقعه حتى المؤسسات المالية، و الاقتصادية الدولية، نتيجة الصراعات الاقليمية، و الدولية بالنظر الى تبعية المغرب للأسواق الدولية، على مستوى الطاقة، و الواردات التي تشمل كل شيء تقريبا، لذلك المساس بالطرق الدولية للملاحة، و التجارة الدولية في المضائق خصوصا في إطار الصراع الدولي المتعلق بإسرائيل، و يمس التجارة العالمية، طبعا المغرب ليس معزولا عن بقية العالم، و يتأثر بمحيطه الاقليمي و الدولي، ما ينذر بضرورة التجند إستعداد، لمواجهة تبعات الصراع الدولي، و تبعاته على التجارة الدولية، و الملاحة الدولية.
التغييرات المناخية:
التغييرات المناخية بدورها تلعب دورا أساسيا في التحكم في الانتاج الزراعي في العالم، من خلال مواسم الجفاف، او الكوارث الطبيعية التي تدمر المحاصيل مثل الفيضانات، و الحرائق نتيجة إرتفاع الحرارة الذي أصبح بنيوي في تركيب المناخ، و هو المتحكم الرئيس في عملية الانتاج الزراعي في العالم و في المغرب ايضا... و لأن كل الدوائر الرسمية في المغرب صرحت، و تؤكد أن السنة الحالية 2024، هي سنة جفاف، يضاف إلى هذا معطى آخر و هو أنه بالفعل تم إستنزاف الفرشاة المائية بفعل كثافة النشاط الزراعي، و سوء إستخدام المياه، سيتأكد الجميع لاحقا، و عن قريب أن إنخفاض الاسعار ما هو إلا فقاعة مؤقتة سرعان ما ستنفجر.
الأهداف الخبيثة:
يتضح ان التقرير الذي أصدرته المندوبية السامية للتخطيط، حصرت فيه معطيات، و إحصائات إخفاض بعض الاسعار في مدة تمتد على مدى شهر يناير فقط من السنة الحالية، بينما إنحصار أعراض التضخم فقط لوحدها، إذا حدث، و إنتهى التضخم فعلا، تأخذ شهورا، و أكثر في علوم الاقتصاد، و ميدانيا ايضا، لكن في إطار خطط تعافي من آثار التضخم، إذا وجدت، و هي غير موجودة اصلا في المغرب ، بينما وسائل إعلام محسوبة على بعض الجهات المغرضة في الداخل تحاول تسويق الحدث على أنه نهاية التضخم، للتغطية على مختلف أساليب المنافسة غير الشريفة التي تنتهجها في سياق اداءها السياسي، و الاقتصادي الخبيث، لان هدفها هو التلاعب بمحيطها، لتحتكر المعلومة الاقتصادية، و لتحقق، و تنفذ أجندات خارجية، و داخلية خطيرة تستهدف مقدرات، و أرزاق المغاربة، من أجل مراكمة الثروة في مرحلة أولى، و من تم، و عبرها تحقيق نفوذ سياسي، و سلطة بدورها تستخدم لتجويع وقهر المغاربة، و السيطرة عليهم، و هذا ما حدث بالفعل على الارض طوال فترة الازمة، من اجل إبتزازالمغاربة بطرق ملتوية، و خفية سياسيا، و إقتصاديا، مثل قضية النصب، و الاحتيال الشهيرة المسماة، قضية سفينة النجاة، التي تورط فيها عباس الفاسي، الامين العام لحزب الاستقلال، و رئيس الحكومة السابق، و عند الاستشهاد بهذه الواقعة يتضح أكثر أن القيم الاقتصادية المؤسسة للوعي الاقتصادي، و السلوك الاقتصادي، ايضا تلعب دورها في كل مرحلة، ايضا القواعد المنظمة، و القيم الإقتصادية، و الأخلاقية المؤطرة، نظريا، و ميدانيا كذلك، هي التي تحدد مدى النجاح في تحقيق الاهداف، و الرؤى بأسلوب نزيه، و فعال، و هذا يوضح في جانب موازي اخر ان الأسلوب في إتخاذ القرارات الاقتصادية في المغرب عبثي، إن لم تصح فيه كلمة إجرامي، تتحكم فيه عصابات، و لوبيات إقتصادية خفية، بل إن القيم تحدد درجة قوة الرؤى الاستشرافية المستقبلية، و واقعيتها و فاعليتها عند تحقيقها.
للفهم:
إنخفاض الاسعار، هو إن أردنا تقريب الامر في صورة مجازية، او إستعارة لغوية تصويرية، هو تلك الشجرة المخضرة إستثناءا، في غابة جرداء، لان خاصية هذه الشجرة الطبيعية أن تزهر في الشتاء، لكنها الوحيدة كنوع من بين الاشجار تزهر في هذا الفصل، بحسب ظروف هذه الغابة، لكنها و حتما تخفي الغابة الجرداء التي لا تزهر في فصل الشتاء. ليأتي بعض المسؤولين ليقفوا بجانب الشجرة الوحيدة المخضرة، و يسوقو عبر أبواق الدعاية الخبيثة، أن الغابة كلها يانعة على هذا الشكل، و كما يقول المثل المغربي، العام زين، و هو المستوحى من الثقافة المغربية، التي أفرزت هذا الواقع المرير، و المليئ بالمغالطات، و المكائد، و التضليل، و الجشع... القيم السلبية التي تسمم الاقتصاد، و تحول العمل من خلاله كمنظومة، لا يتم العمل فيه إلا بإسقاطات سياسية، و طائفية، و عرقية.
آثار إجتماعية:
الاقتصاد المغربي، إن لم يتم إستدراك الامر، و وضعه في حالة من التجرد تقف فيها القوانين التنظيمية على نفس المسافة من الجميع، و تطبق بالفعل على هذا الاساس، فإنه سيعيش حالة إختناق وشيكة جدا، لانه سيواجه إنهيارات، و مشاكل بنيوية كارثية، جراء هذه الانهيارات، كما حذر منها أكبر الخبراء في المغرب، و المشهود لهم بالكفاءة، و الإلمام بالاقتصاد الوطني، مثل البروفيسور نجيب أقصبي، و غيره و ايضا حسب الكثير من التقارير الدولية، و التي حذرت بدورها من الانهيار الوشيك، على رأسها تقارير البنك الدولي، و صندوق النقد الدولي، و حتى مؤسسات إقتصادية متفرعة عن الامم المتحدة، مثل الفاو، و مراكز الدراسات، و الابحاث المالية، و الاقتصادية العالمية، أمام حالة تراكم الديون، و تقلص الموارد، و الا ما كان البنك الدولي يحتاج الى سياسة تقويم هيكلي مرة جديدة، من خلال التدخل في السياسات العمومية في المغرب.
إن الازمات السوسيو إقتصادية، تزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي، فهي في تفاقم مستمر، و الاحتياجات تكبر تواليا مع الايام، بينما يقترب الاقتصاد في كليته إلى حالة التوقف التام، نتيجة تظافر عوامل ذات طبيعة سياسة، كالصرعات، و النزاعات التي اصبحت منتشرة في كل اسقاع الارض، أو الصراعات الاجتماعية الداخلية في المغرب، و حالة الاحتقان الاجتماعي المسجلة في السنوات الاخيرة، الذي يأخذ شكله في الاحتجاجات العمالية، و الفئوية المهنية، و في الحوار الاجتماعي المتعثر مع الحكومة حتى اللحظة... تطور ، و نمو تعداد السكان، من دون تطور المنظومة الاقتصادية بتوازي معه، بشكل مخطط له، و مدروس من خلال إستراتيجيات دقيقة، و بإعداد مالي مسبق، و مخطط له بدوره اثر مدمر، و يعكس عشوائية القرارات التي يتم تسيير الإقتصاد الوطني من خلالها.
هذه المخططات يجب ان تتكاثف جهود الفاعلين الاقتصاديين الخواص، و العموميين، و الدولة، و النخب، الاكاديمية، و العلمية، على تنفيذها، إستنقاذا للوضع العام، بما فيه المجال الاقتصادي.
هندسة الدجل:
إن التنظيم الاشكالي للإقتصاد المغربي، يجعل منه إقتصاد مسيطر عليه، و محتكر من طرف فئة صغيرة جدا، تستغل ريعه عائلات محددة، و بالتالي المنطق التنظيمي في هذه المنظومة، و تصنيفها تحدده عبارة واحدة مفادها، أنه إقتصاد عائلي، لم يصل بعد إلى درجة الاحترافية، الولوج إليه مشروط بالقبول بمعايير هي وحدها من تكفل التحرك داخل دائرة الحركة، و النشاط، يشترط ايضا ان تنطلق من قرابات عائلية، و مصاهرات، و ولاءات سياسية، و إنخراط في منظومة فساد هيكلي، و بنيوي مهيمنة على مفاصل الاقتصاد بواسطة قيم أصبحت مفتاحية، كالرشوة، و الاختلاس، و تبديد الاموال العمومية ،و تهريب العملة الصعبة، و تبييض الاموال، و الصفقات المشبوهة، و المليئة بالاغاز، و الاسرار، أي غياب الشفافية...
و لعل تقارير مجلس المحاسبة المغربي، و تقارير المنظمات الدولية مثل منظمة الشفافية، و الوكالة الدولية لمكافحة غسيل الاموال، او المنظمة الدولية لمكافحة الفساد، الوكالة الدولية لمكافحة الرشوة ... تستطيع توضيح هذه الامور أكثرن و بتفاصيل، و معطيات دقيقة، و مفصلة من خلال تقاريرها، و نشراتها الدورية.
أهم المؤشرات:
ينتهي بنا النقاش و البحث بتركيز في مؤشرات خطيرة جدا، إستمرار تبلورها السلبي، وفي الاتجاه الخطأ من شأنه الاسراع في وقوع الانهيار الكبير المرتقب.
1-معدل النمو:
أول المؤشرات، و أخطرها على الاطلاق هو معدل النمو، و الذي يلخص تقييم شامل لكل حصيلة السنة الاقتصادية، و الاداء المحقق فيها، و تحسب فيه كل المعطيات في كل القطاعات، و كل المداخيل، و النفقات، و الارباح، و الخسائر، إنه حاسم بالفعل في تقدير مدى نجاعة الاستراتيجيات، و السياسات الإقتصادية المنتهجة، و الادارة الشمولية للمنظومة الاقتصادية.
عندما يسجل الاقتصاد الوطني المغربي، معدل نمو حسب توقعات البنك الدولي في السنة الحالية 2024, قد تصل نسبة النمو فيه، في الحدود القصوى إلى %2,3، أما بالنسبة لصندوق النقد الدولي فبدوره توقع أن يصل معدل النمو إلى حدود %3,5، بينما بنك المغرب توقعاته أكثر إعتدالا قليلا لكنها لم تتجاوز %2,6، و بالتالي فهناك الكثير من العمل لاستدراكه، و يجب فعلا القيام به قبل فواة الاوان.
قد يبدي البعض الكثير من التفائل، المدلس و الكاذب، عند قراءة، و تحليل هذه التطورات الثانوية، و الفرعية المتمثلة في إنخفاض بعض الاسعار على أنها إنتصار، و إنجاز، بل إنه مقلب كبير بقالب، يحز في النفس، و هناك مقلب آخر مشابه في الشكل، و الهندسة، مع تباين فقط في المضمون، فيما يلي تفاصيله...
حقيقة أخرى أن قراءة مدسوسة، و مسمومة، و متواطئة على الرأي العام الاقتصادي هي أكبر حجما هذه المرة، حيث هذه الحيلة تعمد إلى إجراء المقارنة بين معدل نمو السنة الحالية 2024, المتوقع أن يصل إلى حدود %3,2 و بين معدل نمو السنة الفارطة 2023، و الذي لم تتجاوز التوقعات بشأنه معدل %2,9، و هي اليوم في خانة المحققة، كنسبة نمو إجمالية على أساس سنوي على التوالي، لتتكشف خدعة الخطاب الاعلامي الذي لا يقارن الفشل إلا بالفشل الاكبر منه، ليبرره، و يقول أن الامور بخير ما دامت أحسن من السنة السابقة، أو عندما يقدم، و يروج بعض التململ في مؤشرات فرعية، و ثانوية على انه فتوحات، و إنتصارات إقتصادية، نحن بالفعل نجد أنفسنا أمام حالة من التدليس، و الخداع، و الإفلاس، و التلاعب ليس فقط من خلال تزوير المعطيات الاقتصادية، مع العلم أن مجرد وجود الخطاب الاعلامي المغلوط، يطرح إشكالية مصداقية الارقام المقدمة، و يضعها في موضع شك بإلحاح، و لكن التزوير أيضا من خلال تأويلها، و الكذب، و الدجل المصاحب لطرحها للرأي العام، و هذا هو المشهود، و الموثق، و الذي يطال تحليلها اكثر من أي جانب اخر، و يغني حتى عن تزوير المعلومة في حد ذاتها، إن وجود أسلوب منهجي بهذه البصمات، يفضي إلى الوصول إلى حقيقة تناقض الخطاب و الواقع.
1-معدل الدخل:
ثاني اهم مؤشر: هو الاكثر من غيره قدرة ان يعكس مدى النجاح الاقتصادي من عدمه، و هو معدل الدخل، سواء بالنسبة للدولة، أو الافراد، و الاسر، و المقاولات، و كل الفاعلين الاقتصاديين، إنه إنعكاس حقيقي، و مباشر لمستوى المعيشة في المجتمع، و مستوى نجاح منظومته الاقتصادية، و المهنية ، و الإدارية، و مستوى الحقوق الاقتصادية، و الاجتماعية فيه، إذا كان مرتفعا يسمح بالتأثير على القدرة الشرائية إيجابا، و بالتالي معدل الاستهلاك يرتفع، و منه ينتقل التأثير الى ارتفاع الطلب، وصولا إلى الحاجة للرفع من الانتاج... انها معادلة مترابطة الحلقات يؤثر بعضها ببعض إما بالسلب، أو بالايجاب.
خلاصة:
في الختام يجب التنبيه أن الدعاية، أو البروبغندا قد تكون فعالة، و ناجحة جدا في الحروب، و الصراعات السياسية، بالنظر إلى أن النتائج حاسمة، باتة، و نهائية، لا يعقبها أي نتائج أخرى بشكل توالدي، وليس كما هو الشأن بالنسبة للإقتصاد، في بروبغندا الحروب لا يسجل أي ترددات بعدية، او حتى تفاعلات لاحقة، و بعد تقديم، و إستغلال معطيات حاسمة، ينتهي الموضوع، و ايضاعندما تقدم معطيات مغلوطة طبيعتها عسكرية في الحرب يكون المطلوب هو تحييد العدو، و القضاء عليه، و عليه إذا تم الامر، و نجح تنتهي ردود أفعاله، و أفعاله في الميدان، و على مستوى الخطاب.
عندما يتعلق الشأن بالسياسة، فالمعطيات المغلوطة قد تنهي جدل ما، أو تحسم سجال، او دياليكتيك تحول إلى، صراع سياسي، أو إيديولوجي، و إعلامي، لكن مع توقع ان الامر مادام فيه تدليس سينتهي حتما بفضيحة مدوية، طال الزمان، ام قصر.
لكن من الجنون حقا تقديم معطيات مغلوطة حول الاقتصاد، لتحقيق أغراض، و أهداف سياسية، و سلطوية، لإن المعطيات بالنسبة للإقتصاديين هي مفاتيح، و أدوات إشتغال رئيسة، و حيوية، المعلومة هي ،المال، و الربح، و يجب توفيرها بنوع من الديموقراطية، و الشفافية دون إحتكارها، أو تحريفها، و أي خطأ فيها، سيؤدي إلى إتخاذ إجراءات، و قرارات خاطئة من الحتمي أن النتائج المترتبة عنها هي خسائر مالية، و مادية، و إنهيارات إقتصادية، قد تكون في أحيان كثيرة مدمرة، أو بأقل تقدير سقوط قطاعات كاملة، أو حتى أزمات مزمنة، يؤدي ثمنها الاقتصاد، و المواطن المستهلك، و الفاعل المنتج، و الدولة بإعتبارها كيان مؤطر، بالاضافة إلى المقاولات العمومية، و الخاصة بشكل تاريخي.
خاتمة:
نختم بالإستشهاد بما وقع في أمريكا، زمن الرئيس باراك أوباما، حيث أزمة المعلومات المغلوطة لوجود شبهة فساد في المعاملات المالية لبورصة، وول ستريت، بنيويورك، سنة 2008، أىت في النهاية إلى إفراز أزمات قطاعية، في العقار، حيث وصل ثمن البيوت في امريكا في بعض المدن التي عانت من أزمة نقص السيولة، إلى دولار واحد، و في سوق السيارات التي، إحتاجت الى ضخ الكثير من المساعدات المالية على شكل منح و قروض، و غيرها من القطاعات التي تضررت كالطيران...
بناءا على هذه المعلومات المغلوطة إنتهجت الشركات، و المقاولات الامريكية قرارات، و إتجاهات في الإدارة كانت خاطئة تماما، أدت إلى إنهيار شامل نهاية الامر، في وول ستريت، إنهارت معه أقوى المؤشرات، و إنهار الاقتصاد حتى في شقه المالي، و المادي، و نتيجة قرارات مغلطة تم بيع الكثير من الأسهم المربحة، و شراء أخرى خاسرة، ما نتج عنه أزمة سيولة إحتاجت معها أمريكا إلى إصلاح عميق، حرص الرئيس اوباما ان يكون، و لأول مرة في أمريكا بنفحة إجتماعية من خلال مشروع التغطية الصحية، هذا الاجراء الخطة، او مشروع القانون في تلك الفترة عارضه الكثير من المتعصبين للرأس مالية، و قيمها الاقتصادية المتوحشة، على أساس انها إقتباس من المعسكر الاشتراكي الشرقي، هنا ايضا يظهر بجلاء مدى خطورة تداول معلومات إقتصادية مغلوطة، و النتائج الكارثية للأمر.