إقتصاد المغرب في حالة موت سريري بين الركود و التضخم



إقتصاد المغرب في حالة موت سريري، بين الركود، و التضخم

الأزمة المركبة:

مقدمة:


من المسلم به أن اي إقتصاد عمومي، في اي دولة في العالم، يعيش مسارات،من التطور، و النمو، و المراحل المتراكمة، بما يمكن من القول ان لكل إقتصاد في العالم هوية خاصة تميزه، في قطاعاته الاستثمارية المتعددة او طريقة إدارته، و طبيعة بنيته التحتية، و غيرها من العناصر المميزة له، و التي تكسب لكل منظومة إقتصادية طابع خاص بشكل منفرد و متفرد.
على مدى السنوات المتراكمة تعرف مؤشرات الاقتصاد هزات، و إنتكاسات تكون عكس المخطط له تماما، و أزمات أحيانا تعمر طويلا، و تغير من انماط الانتاج، و الاستهلاك، و الثقافة الاقتصادية، و المفاهيم الاكاديمية المُؤسسة  للقيم، التي تبنى عليها أي منظومة إقتصاد، مع مراعاة الخصوصية البنيوية، و الهيكلية، و القطاعات الإستثمارية، التي يتشكل منها كل إقتصاد على حدة.
لقد أبدع الانسان في اطار إدارته للأزمات الاقتصادية، أقول أبدع في ابتكار حلول، و إيجاد توازنات لحفظ ديمومة الحركة الايجابية، لنمو للإقتصاد عموما، وتطور المؤشرات المعيشية، بالنسبة لكل المجتمعات المكونة من الاسر و الافراد و الكيانات.

1-جذور الأزمة التاريخية:


أحد ابرز الأزمات الإقتصادية، و أخطرها في العصر الحديث، هي ازمة المغرب في الوقت الراهن، حيث انها أزمة مركبة و معقدة، تمظهراتها في مؤشران إقتصاديان، هما اللذان يعكسان الأزمة أكثر من غيرهما، و لو ظاهرا، ذلك ان القيمتان الاقتصاديتان اللتان  تؤشران على الازمة الراهنة، هما التضخم، و الركود، و من خلفهما معطيات خفية كثيرة، لكن الازمة أعمق أكثر و لها جذور تاريخية و عوامل متداخلة و متشابكة.
ولعل البداية الحقيقية، في تقديري المتواضع، كانت عندما أعلن العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني سنة 1998، ان المغرب يعيش حالة السكتة القلبية، على المستوى الاقتصادي، ذلك ان مؤسسات الدولة اصبحت عاجزة عن اداء رواتب الموظفين العموميين، خصوصا أن البلد كان يستعد لعيش مرحلة إنتقال سياسي إلى مرحلة، عهد جديد حسب التسمية الاعلامية، و السياسية، التي سادت في تلك المرحلة، و كانت أيضا مرحلة تداول سلس للسلطة، من خلال حكومة التناوب التي جاءت بالمعارضة الى كرسي السلطة في شخص عبد الرحمن اليوسفي و حكومته، و بعدها حكومة التقنوقراط إدريس جطو.

حكومة التناوب:


و على الرغم من الجهود التي بذلتها حكومة اليوسفي، إلا ان هذه الجهود ظلت عقيمة، فكانت جهود الاصلاح ذات طابع سياسي، اكثر منه إصلاح إقتصادي، و غلب على أداءها الثقافة الأمنية، التي تحددت ملامحها  بوضوح، من خلالها مفهوم السلطة المغربي، الأمني بالمطق، فكانت أول وثيقة وقعها رئيس الحكومة في تلك الفترة، السيد اليوسفي، هي صفقة لشراء الهروات لرجال الأمن، من إسبانيا، لذلك توجب الاعتراف أن تصور هذه الحكومة  للإصلاح كان بمنطق سياسي، فكان من إنجازاتها هيئة الانصاف، و المصالحة، و فتح الاعلام، و إقرار منظومة حقوق الانسان، ومحاولة تكريسها، ولو بخجل، لكن أغلب الاصلاحات الاقتصادية، كانت عبارة عن تطبيق حرفي لتعليمات صندوق النقد الدولي، لتوجيه الاقتصاد المغربي لخدمة الدين الخارجي على نحو أفضل، و إنتهاج الخوصصة لتوفير السيولة للإستثمار و سداد جزء من الديون، و اتضح لاحقا  أن الاملاءات نوع من التفريط في المؤسسات الاقتصادية العمومية الوطنية، بالأخص في الشق المتعلق بالخوصصة، و تفريط في السيادة الوطني،  و بدون تعويضها عن طريق إعادة الاستثمار من جديد في قطاعات اخرى، تعوض تلك التي تمت خوصصتها، و سرعان ما إتضح أن المغرب، كان يحتاج إلى إصلاح  إقتصادي ، وليس سياسي.

حكومة التقنوقراط:


 ما عجل بتولي حكومة التقنوقراط إدريس جطو و من بيئة المال، و الاعمال، و ليس كما جرت العادة ان تنصب الحكومة بلون سياسي، حاولت حكومة جطو تحويل منطق العمل السياسي للحكومة، إلى ما يشبه العمل المقاولاتي العمومي، لقد نجح بنسبة معينة في تسليط الضوء على مكامن الداء في مفاصل الاقتصاد المغربي، من خلال مجموعة من محاور الاصلاح الاقتصادي، عبر مختلف المؤسسات الاقتصادية، و تنويع عدد قطاعات الاستثمار، و إعادة رسم خارطة سياسية، و دبلوماسية إقتصادية، مبنية على المصالح الاقتصادية الوطنية، متجاوزة، أي حكومة جطو،  منطق العلاقات الخاصة السائد، و المتحكم في تلك الفترة في تدبير علاقات المغرب الاقتصادية، و شراكاته، ما نوع من فرص الشراكات مع العديد من الاطراف، مثل اتفاق التبادل الحر مع الولايات المتحدة و تركيا... و غيرهما، هذه الاتفاقات لم يتم إستثمارها بما يكفي، الى اليوم، و حتى الشراكة مع الصين، حيث كان المغرب سباقا إلى عقد شراكة إستراتيجية مع الصين، لكن بسبب تجاذبات الصراع السياسي بين قوى الشرق، و الغرب، جُمد هذا الاتفاق، و لم يسمح بتفعيل مضامينه، و النتيجة ضياع فرص إستثمارية هائلة، و برامج إقتصادية صينية على المغرب، غيرت هذه البرامج، و الشراكات الصينية، بالفعل الواقع الاقتصادي لكثير من الدول عبر العالم، و هذا الامر يؤكد بشكل جلي، ان أسلوب إدارة الاقتصاد، يحدد بنسبة كبيرة جدا هوية، و ماهية، و مدى قوة، هذا الاقتصاد، و نجاحه في تحقيق الاهداف المخطط لها من خلاله.
 

2-الفساد معطى بنيوي:


في حالة المغرب يشكل الفساد بنية مستقلة، من داخل الدولة، و المجتمع معا، بل إنه ثقافة متجذرة، من لم ينتمي اليها يحارب، و ينبذ من المجتمع كاملا...
و إذا علمنا أن نسبة الفساد المالي، و الاقتصادي بالمغرب هي 10%، من الناتج الداخلي الخام الوطني، بمعنى حوالي 12 مليار دولار، من الاموال العمومية، التي تبدد بفعل الفساد، هذا يحدث في بلد لا تتجاوز قيمة الناتج الاجمالي الوطني مبلغ، 113 مليار دولار، إنها حقيقة مؤلمة، و مفارقة صادمة، و لكنها  في النهاية حقيقة تعكس بجلاء درجة تأثير أسلوب إدارة الاقتصاد في مدى النجاح الذي تحققه كل منظومة إقتصادية، و مدى الفشل الذي تحصل عليه.
من اجل مزيد من الفهم للمعضلة الاقتصادية في  المغرب مع الفساد ، علينا ان نقترب من الصورة أكثر للحديث حول وضعية الفساد بالمغرب، و تأثيره المدمر على الاقتصاد، هذه الوضعية افرزت واحدة من اعقد الاشكالات على مستوى الازمات الاقتصادية في العالم.
حسب منظمة الشفافية الدولية التي تنجز دراستها كل سنة في اكثر من 180 دولة حول العالم، يحتل المغرب المرتبة 94 من اصل 180 دولة شملتها الدراسة، هذه النسبة غير عادية تماما، و هي نسبة اكبر من نسب سجلتها دول إفريقية تعاني حروب أهلية، لأن الامر لم يسجل حتى في جمهوريات الموز، و للإشارة فإن نفس منظمة الشفافية الدولية، قامت بمقارنة تصنيفها  للمغرب للسنة الماضية 2023، بالسنة الحالية 2024، و قد تراجع  المغرب في ترتيب الدول الاكثر فسادا  في العالم ب  24 درجة، فيما يخص الفساد المالي و الاقتصادي. 

شهد شاهد من أهلها:


وحسب ما طرحت الهيئة الوطنية المستقلة للنزاهة، و محاربة الرشوة المغربية، في شخص رئيسها البشير الراشدي، ففي سنة 2021، تلقت الهيئة 3363 تصريح للاشتباه في  غسل الاموال، بزيادة تقدر ب 59% مقارنة بالنسبة المحققة سنة 2020 و هذه أرقام خارقة للعادة، تجعل من كل المخططات، و الاستراتيجيات، مجرد عناوين غير قابلة للتحقيق، بسبب البيئة الفاسدة، و الخانقة للمقاوالات النزيهة، و سبب فشل كل محاولات الإصلاح، و تغلغل الفساد في بنية الدولة، و المجتمع.
و منذ 2007 إعتمدت الدولة لتغطية نفقاتها، و مصاريفها، و إستثماراتها، و مشترياتها من الخارج على الاقتراض، من المؤسسات المالية الدولية،  كواحدة من اهم مصادر تمويلها، و بسبب الفساد ، فإن اموال القروض كانت تصرف، و تبدد على مشاريع في بعض الاحيان وهمية، أو مجرد عناوين، و بالتالي ظل غياب الموارد الكافية لخدمة الديونن ما جعل الازمة تتفاقم في صمت، الى الحد الذي اصبح من غير الممكن القيام بأي اصلاح إقتصادي دون حملة تطهير لمحاصرة الفاسدين، مما كانت معه الدولة مضطرة بإستمرار إلى الاقتراض، لتغطية سداد ديون قديمة بذمتها لصالح المؤسسات الدولية، أو لتغطية النفقات...
في سنة 2023 بلغ عجز الميزانية العامة  %14.5، بينما ميزانية الاستثمار العمومي لم تتجاوز 360 مليار درهم، اي حوالي 36 مليار دولار فقط، و مع ذلك فإن هذه الميزانية على هزالتها تشكل غنيمة، و فريسة سهلة للفساد، تتطاحن من اجل الحصول على نصيب من هذه الكعكة جيوش الفاسدين في ما يشبه تهافت، التهافت، حسب ابن خلدون، حيث تتنافس مجموعة كبيرة من الشركات، و رجال الاعمال، و المسؤولين الفاسدين، للحصول على نصيب من هذه الغنيمة، بما يجعل المحصلة صفرية حتى قبل إنجاز هذه المشاريع، و الاستثمارات.

3-الليبرالية المتوحشة:


يتعدى إمتداد الفساد في المغرب الحدود السالفة الذكر، والتي تدور كلها حول السلوك الاقتصادي البشري، و الوعي بالقيم الاقتصادية من طرف هذا العنصر، و تأثيره السلبي على الوضع الاقتصادي، و مسار تطوره، إلى نوع و طبيعة القيم الاقتصادية، و التعاملات، التجارية، و المالية السائدة، و التي بناءا عليها تأتي الثقافة الاقتصادية السلبية، و طبيعتها في المغرب، حتى إن الوضع حقا لا يخرج عن هذا السياق، و الاطار، لنجد التوجه إلى إقتصاد السوق، و ضمان حرية العمل للفاعلين الاقتصاديين  سقط في حالة من الفوضى، الى حد الشجع و الفساد، تحت غطاء الحرية الإقتصادية... كلها عوامل جعلت من حرية الحركة مقيدة بمعايير إستثنائية، و خارجة عن المألوف محدداتها الفساد، أفرزت هذه الحرية، فوضى معطلة للتطور الاقصادي في إتجاهه الصحيح، المبني على قيم إقتصادية معولمة البنية، و المفاهيم، و الهوية، مبنية على سرعة الانتاج، و كثافته، و سرعة الاستهلاك، و سهولة إنتقال السلع، فضلا عن تشجيع القطاع الخاص، على خوض تجربة الاستثمار في قطاعات كانت الى وقت قريب تعتبر سيادية، و حكر على الدولة، و القطاع العمومي، إنها الليبرالية المتوحشة التي تسمح بالانطلاق، و النمو السريع، لكن  دون أي إعتبار للوسيلة، فالمهم هو الغايات.

4-الرشوة:

 
حسب الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، فإن المغرب يحتل المرتبة  87  في مؤشر الرشوة العالمي، من بين حوالي 130 دولة، و هذا مؤشر مخيف، و على الرغم من  تفعيل القانون   46.19 المتعلق بمكافحة الرشوة، و جعله نافذ حسب الجريدة الرسمية المغربية، إلا ان الرشوة في المغرب مازالت مستفحلة، و على مستويات عدة من دوائر، و مراكز القرار، و قد عاش المغرب تدهورا مستمرا، و مزمن في ترتيب الدول الاكثر انتشارا للرشوة، و تكفي الاشارة الى ان النيابة العامة حققت في 61 ألف قضية رشوة سنة 2022 فقط، فضلا عن اجراءات منافية للقانون، و الاخلاق، مثل الإجهاز على قانون الاثراء الغير المشروع، و سحبه من البرلمان، ايضا يسجل ضعف قانون حماية المبلغين عن الرشوة، و في الحقيقة يمكن القول ان الفساد في المغرب عام، و معمم، إذ وصل معدل الرشوة إلى % 2,5 من الناتج الداخلي الخام.

كل ماسبق عبارة عن قشور لا تعكس الفهم الحقيقي  لمعطيات اسباب الانهيار الاقتصادي في المغرب، ذلك ان المعطيات العملية التي تتحكم في الازمة محليا أكثر بخصوص حالة المغرب تظل دائما غامضة، و هي معطيات سياسية بالدرجة الاولى، لذلك الولوج للإقتصاد مرهون بمدى موالاة النظام و عناصره، و مدى قرب الافراد، و المجموعات، و الكيانات الاقتصادية، من دوائر القرار، ما شجع سياسة الافلات من العقاب، و الانتقائية حتى في تطبيق العقوبات القانونية، و هذا القرب يغطي زبناءه  حتى في حالة إرتكاب جرائم مالية، أو إقتصادية، و الغطاء يشمل أيضا حتى أفعال، و جرائم جنائية، بما يكرس ثقافة الافلات من العقاب، و الحصانات، و القرابات، و الفساد الاقتصادي، و المحابات، و حماية هذه المركبات و العناصر التي تقوم عليها منظومة الفساد في المغرب ،  مع إستعمال وسائل منافسة غير نزيهة، و منافية للقانون. 

 جعلت هذه الثقافة السائدة في الاقتصاد العمومي موجها فعليا، و في اتجاه الحائط حيث الكارثة الاقتصادية، بإنتظارنا، و حولت إقتصاد المغرب الى عائلي، الولوج اليه لا يتم إلا بالرضى السياسي، الذي تحتكره مجموعة محدودة من العائلات المتحكمة في الموارد، و التمويل، ومواقع القرار الرئيسة، و من خلالها الصفقات العمومية، و العقود، و الامتيازات، و صفقات التدبير المفوض العمومي، و المناقصات، و الموارد  الطبيعية، و الصناعات، و التجارة،... بإختصار كل مفاصل الدولة، بل و حتى برامج الدعم العمومية الاقتصادية المالية، و العينية، و التقنية، و التطنولوجية، و الولوج للتمويل، و الخدمات البنكية خصوصا القروض... بشكل جعل الولاء السياسي مفتاح أساسي للولوج إلى المنظومة الاقتصادية المغربية.

و من العوامل المتظافرة ايضا، و التي أفرزت هذا الوضع الشاذ الذي يتداخل فيه الاقتصادي، و السياسي، هو محاولة بعض النخب المزاوجة بين السلطة، و الثروة، و هذه مفارقة تاريخية، حيث جريمة التضارب في المصالح، و حالة التنافي القانوني، أصبحت جزء من الحياة السياسية، و الاقتصادية اليومية في المغرب، بشكل فج  و وقح  للغاية، و لا ادل على الامر أكثر من عدد المعتقلين السياسيين، و سجناء  الرأي من إعلاميون و مثقفو...  حيث تم تداول قضاياهم عبر مختلف وسائل الاعلام لتكريس هذه الثقافة حيث درجة الولاء هي مقياس النجاح، في محاولة من منظومة الفساد حماية نفسها، عن طريق تسخير القضاء، و الإكراه البدني، المبني على الظلم، و الفساد.

5-الإحتكار:

 
هنا يجب المرور لمناقشة الاحتكار، بإعتباره، عنصر أخذ وضع المركب الحيوي، الذي يضرب فيه المغرب أرقام قياسية ،خرافية لم يشهد التاريخ مثلها، ذلك أن المحتكرين يرفضون ولوج أي وافد جديد على القطاعات التي يتغولون فيها، و يسيطرون عليها وحدهم، بسبب غياب المنافسة النزيهة المغيبة عمدا، و قد ظهرت مؤخرا إحدى أكبر الفظائع الاقتصادية في العالم، حيث عمدت شركات المحروقات المحلية، و الاجنبية في المغرب، و عددها تسعة شركات، إلى أن تخرق القانون، و قواعد المنافسة المنصوص عليها قانونيا، عبر مجلس المنافسة الدستوري الوطني، و القوانين الدولية التي تنظم التجارة، و التي وقع المغرب على عقودها، و إتفاقياتها، لكن الأمر يظهر أن هذه التوقيعات لم تكن بدافع بناء الإقتصاد الوطني، بل كانت فقط لتحصيل المكاسب المتاحة في هذه الإتفاقيات، مع الإستمرار في خداع المؤسسات الدولية، عن طريق الإستمرار في دعم، و حماية منظومة الفساد، فتم الاتفاق بين شركات المحروقات المحتكرة للسوق المغربيةن على توحيد او مقاربة الاسعار للهيمنة على السوق التجاري  المحلي للمحروقات، و إبتزاز المواطنين البسطاء، في  مثال حي، حيث على الرغم من أن سعر الوقود المكرر في الاسواق الدولية، لا يتجاوز 0.40 دولار للتر، إلا ان سعره في المغرب يتجاوز 1.5 دولار للتر الواحد، و على الرغم من إنخفاض أسعار المحروقات في الاسواق العالمية، فإنها، أي اسعار النفط، و المحروقات، واصلت إرتفاعها دون ان يهتم القائمون على هذه الشركات بمنطق العرض، و الطلب، و السعر، و الوفرة، لقد كان الامر حقا سياسة متعمدة سلطت الضوء على جزء يسير من درجة الاحتكار في الاقتصاد المغربي، و على الرغم من تغريم مجلس المنافسة للشركات المحتكرة لقطاع المحروقات في المغرب مبلغ 180 مليون دولار، إلا ان هذه العقوبة تبقى صورية و شكلية، لان لجنة الافتحاص في البرلمان المغربي لقطاع المحروقات، تؤكد أن حجم الارباح غير المشروعة التي راكمتها واحدة فقط من الشركات ال 9 بلغ 4,5 مليار دولار ، و هذا يوضح حجم الخروقات، و الاحتكار المسيطر على دواليب الاقتصاد المغربي المنهار أصلا، هذا الوضع المعطل للسير العادي للمنطومة الاقتصادية، و إنعكاساته السلبية جدا في المستقبل، حتى على المقاولات و المستثمرين الاجانب، سيكلف البلد غاليا جدا في المستقبل.

سياسة القروض:


إن سياسة القروض، و كيفية التعامل معها بشكل عام، لا يخدم إلا فئة قليلة من المحظوظين، و النافذين، ما جعل هذه المديونية تصل إلى حد معيق للتنمية، و البرامج الاقتصادية الحكومية،  و الأممية،  و الخاصة بالمنظمات المحلية، و الدولية، حيث بلغت مديونية المغرب 110 مليار دولار تقريبا ، بينما خدمة الدين الخارجي بلغت 10,9 مليار دولار، سنويا، بينما الناتج الإجمالي القومي المغربي، لم يتجاوز 112مليار دولار، و هذا يعكس حجم العبث الذي يتم تدبير دواليب الإقتصاد المغربي من خلاله، و الذي وصل حد تبني سياسات تدمير ذاتي، أو الإنتحار الإقتصادي.

هذا معناه ان تدبير الاقتصاد المغربي عبثي، و مزاجي، و لا يستند على أي منهجية عمل ثابتة، أو خطة مدروسة سلفا، و أن كل السياسات و القرارات هي إرتجالية، و هذا ما يفسر نسبة %0,8 كنسبة نمو، حققها المغرب سابقا، خصوصا عندما نعلم أن أموال القروض، يبددها الفساد، و صفقاته المشبوهة، و هذا ما يفتح الباب على مصراعيه أمام سياسة الافلات من العقاب مرة تلو اخرى، ما يؤدى في النهاية الى سيطرة المافيات على الاقتصاد، بعضها يحضى بشهرة كبيرة مثل مافيا العقار، او مافيا المخدرات، المعروفة إختصارا بإسم إسكوبار الساحل، و الصحراء بن صالح المودع سجن عكاشة ، و إلى إحتكار شركات معينة لقطاعات كاملة، إلى جانب إنعدام الشفافية في سياسات القروض و خدمة الدين الخارجي نفسها، و في تدبير الإقتصاد المغربي عموما.

 فضلا عن فشل السياسات العمومية، في رسم إستراتيجية إقتصادية واضحة، تتحول الى منهجية عمل مضبوطة و قابلة للمواكبة، عدا عن فشل النموذج التنموي، الذي اجمع الخبراء الدوليين على  قصور، و محدودية البدائل المطروحة لتعويضه، و عجزها عن تحقيق طفرة إقتصادية من اي نوع، و مع تضارب المخططات و الفشل في إنجاز المشاريع، و الفشل في تدبيرها، بسبب بنية الفساد الهيكلية، و المتشعبة و المعقدة، و المتغلغلة في مختلف مؤسسات الدولة حد الهيمنة على اركانها، مع غياب الكفاءات، و بالنظر إلى طبيعة الممارسة السياسية، و السياسات الاقتصادية المتعاقبة بنفس النتيجة و هي الفشل فإن المستقبل قاتم امام إقتصاد المغرب، أمام وضع سياسي و إقتصادي مثل نموذج من هذا النوع من التدبير.

 بالطبع المؤسسات المالية الدولية، تريد أن يتم تسديد ديونها المستحقة، و المغرب لا يملك موارد كافية لهذا السداد، و لهذا السبب تقوم المؤسسات المالية الدولية بإستمرار بخفض التصنيف الإئتماني للإقتصاد المغربي، و بفرض بعض الشروط المجحفة مثل، ربط القروض بسياسات عمومية، تحديد قيمة العملة المحلية في قيمة معينة، الخوصصة، تحرير الاسعار، تحرير التجارة الدولية، و حتى تحرير المرأة... و طبعا هذه الاملاءات تخرق السيادة الوطنية، و تؤدي إلى نتائج عكسية تماما.

نتائج عكسية:


من النتائج العكسية المدمرة، الخطيرة، و المباشرة هي إرتفاع مؤشرات كلفة المعيشة ، حيث الوضع المعيشي في المغرب متضهور جدا، و معدل الدخل هو من بين الاضعف في العالم، على الرغم من أن مخطط سحق الطبقة الوسطى بدأ سنة 2007 مع حكومة بن كيران، لأن هذه الطبقة اصبحت تنتج نخب جديدة خارج سيطرة الحيتانن و المافيات، و المتنفذين، و المتحكمين، و بسبب تشكيلها رأي عام اصبح يفرز اصوات معارضة قوية، و معلوم ان شرط الولوج للإقتصاد هو الولاء لجهات معينة.
نصل في هذه المرحلة الى مكمن الداء، و هو أن إقتصاد أن المغرب يعاني، في ما سبق و ورد في هذا الموضوع، من ظروف إقتصادية قاسية، فهو  يعاني من تزامن ظاهرتين، لم تجتمعا من قبل في أي أزمة من ازمات الاقتصاد عبر العالم، و في كل تاريخ التجربة الانسانية في تدبير هذه الازمات، و هما الركود المرفوق بتضخم. 

التضخم: هو فقدان القوة الشرائية مع مرور الوقت، مما يعني أن كمية المال الكافية لشراء سلعة معينة، لن تكون فيما بعد بنفس كمية النقود، حيث ستكون نفس السلع أغلى سعرا، أي أن النقود تفقد قيمتها، و قوتها الشرائية، فترتفع أسعار السلع على الرغم من توفرها في الاسواق، دون التأثر بقوانين السوق، مثل العرض، و الطلب، او الندرة المحددة للقيمة... و بالتالي السقوط في حالة التضخم المالي، و هو ظاهرة إقتصادية تحدث عندما يكون حجم السيولة، و الاموال، و قيمتها تفوق حجم السلع، و حجم الرواج التجاري، داخل أي منظومة إقتصادية، فتقل، و تتناقص قيمة الاموال في مقابل السلع، لذلك ترتفع أسعار السلع، و المنتوجات بشكل كبير جدا، و دون مبرر منطقي في علوم الإقتصاد، نظرا إلى توافر السيولة اكثر من المطلوب. 

 الركود الاقتصادي: 

هو مؤشر يسمح بمراقبة حجم تداول السلع، و المنتوجات، و الخدمات في نطاق جغرافي، و بشري محدد، و يعبر عن هبوط في النمو الاقتصادي، و التجاري لمنطقة معينة، أو سوق معينة. وق يكون ناتج عن تحول في الثقافة الإستهلاكية، أو حملة مقاطعة منهجية، و تشمل مناطق، و شعوب، مثلما حدث عند مقاطعة المغاربة، لمنتوجات شركات الحليب سنطرال، و التي جاءت على إثرها سياسة إعادة التربية، و الإنتقام من الشعب المغربي، و التي جاءت بحكومة أخنوش، الذي يمثل فئة رجال المال، و الأعمال أكثر من تمثيله لعموم المغاربة، هو ايضا مهندس التطبيع، للحصول على حماية، و غطاء دوليين، للإنتقام من الشعب المغربي.

إستنتاج:  

بالتالي الركود هو حالة من العزوف عن الشراء، و الاستهلاك، و يسبب تناقص في حجم الرواج التجاري، و إنخفاض في المبيعات على مستوى المنظومة الاقتصادية ككل، ما  يحقق كساد في الاسواق، إن حالة المغرب كأزمة إقتصادية، تجد تفسيرها الحقيقي، ليس فقط في تمظهرات الازمة، من خلال المبررات، و الأسباب التي تساق في سياق تبرير الفساد، و حمايته، فهي مجرد قناع يخفي أسباب الازمة الحقيقية، لان وجهها الفعلي ليس التضخم المالي، فالعملة المغربية لم تفقد شيء من قيمتها السوقية، أمام بقية العملات، و لا في تداولاتها المالية كعملة، و لن نجد تفسير الأزمة، في الركود، لان سبب الكساد في الاسواق هو ضعف القدرة الشرائية للأفراد، نتيجة البطالة، و الفقر، و قلة الموارد المالية لدى الاسر، و الافراد، فضلا عن ان الاسعار إرتفعت عدة أضعاف في المغرب تكريسا لسياسة الإنتقام، و لكن الاجور ظلت ثابتة أكثر من عشرين سنة.

خلاصة: 

بالتالي يصبح كل من الركود، و التضخم نتيجة، لان الاسباب الحقيقية التي تدفع الاقتصاد المغربي للإنهيار، و التي تمنع حدوث نمو إقتصادي طببعي، و تمنع او تحد من نمو النسيج المقاولاتي، و تعداد المقاولات داخل المنظومة الاقتصادية، فضلا عن تقلص العائدات الضريبية، كموارد مالية عمومية مباشرة، تصب في خزينة الدولة، لتبقى الاسباب الفعلية خفية، و مسكوت عنها، مما ينتج عنه تفاقم في حالة الركود التجاري، و الإقتصادي، خصوصا أن الولوج إلى الاقتصاد كما سلف مشروط، و مرهون في المغرب بالولاءات السياسية، و هذا يحول الاقتصاد الشمولي، الذي هو معاش امة، و شعب، و دولة الى أداة عقابية، و ليس كما يفترض أن يكون رافد حياتي حيوي لتنظيم عمليتي الانتاج، و الاستهلاك عبر التجارة، و كمنظومة قيم إقتصادية، لتداول المنافع، و الخدمات، و المنتوجات، و العمل، و الربح المشروع، و النجاح... المفتوحة من خلال هذه المنظومة الاقتصادية،  على الجميع دون تمييز، أو إقصاء يلغي دور أي جهة، و إستثمار المساهمة الاقتصادية لفئات عريضة من المجتمع يتم تهميشها، و حرمانها من الحقوق الاقتصادية، بما يقلص حجم التجارة، و المعاملات، و الرواج الاقتصادي و المالي.

تضخم أم إحتكار: 

أما التضخم فمرده إلى سياسات التفقير المنهجي، و الممارسة على أغلب سكان المغرب، ما جعل أغلب السيولة متكدسة في يد أقلية متنفذة سياسيا، و  محتكرة، و مهيمنة، و لو بشكل غير مشروع، و لا أخلاقي على الإقتصاد المغربي،  ما جعل هذه الفئة تحتكر حتى السيولة، و هذا ما يفسر التراكم الغير الطبيعي للسيولة في يد جهات معينة دون غيرها، و هذا ما يفسر ايضا وجود الاموال بالحجم الكافي في الاسواق، و المصارف، لتغطية كل المعاملات حسب قانون المالية،  دون تسجيل اي عجز، و إذا حدث و وقع عجز، يتم تداركه من خلال إحتياطيات السيولة بالعملتين المحلية، و الصعبة، و بالاقتراض، و الصناديق السرية للدولة، إن إضطرت لذلك، و مع ذلك تظل نسبة الفقر في المغرب تتجاوز 60، خصوصا مع بروز طارء للوباء، أو ما سمي جائحة كرونا، و من خلال تقارير البنك المركزي، و حسب المعطيات المتعلقة بدار السكة، فالنقود تطبع، و تسك بالكمية الكافية لإحتياجات التمويل و التعاملات المالية الوطنية، و مع ذلك هناك إرتفاع للأسعار لا يبرره إلا إحتكار الاموال، و الكتلة النقدية في يد فئات محددة نتيجة طريقة إدارة الاقتصاد في كليته، بنوع من منطق التدبير المافيوي، و الإحتكاري، و هذا عبث بمقدرات البلد، و إقتصاده، إنه تدبير غير محترف، و غير سوي لمنظومات شمولية، من غير الممكن، و غير المقبول، جعلها تحت تصرف، و أهواء، و نزوات أشخاص، و رغبتهم الملحة في الانتقام.

أهداف عملية:

من اجل جعل المنظومة الاقتصادية أكثر فعالية، و نجاعة، تحتاج إلى أن تكون أكثر عدالة، في توزيع الموارد، و الثروات، و إصلاح المنظومة الضريبية، لتكون أكثر عدالة خصوصا في علاقة مع اصحاب رؤوس الاموال الكبيرة، فالنسب الضريبية مجحفة في حق الفاعلين الاقتصاديين الصغار، بينما هي جد ضئيلة بالنسبة للمقاولات الكبرى، و محاربة الفساد، و إصلاح المنظومة التشريعية لتستطيع مواكبة الاحتياجات التشريعة، و القانونية، اصبحت هذه المعطيات، و غيرها ضرورة ملحة، لتجاوز حالة الإنسداد، في الإقتصاد، و للخروج من النفق المظلم.
.
يجب على الاقتصاد المغربي، أن يكون كمنظومة قيم إقتصادية تسمح، بتداول الخدمات، و السلع، و المنافع، و الاموال، و القيم و المنقولة، و تداول العقارات، و المتاجرة فيها... و غيرها، دون تمييز بسبب المواقف السياسية، أو الأراء، و دون سياسات إنتقامية عبثيةن و هدامة، و أن يكون أكثر انفتاحا، و مرونة أمام متغيرات الإقتصاد العالمي، الذي يشكل بيئة حتمية تحيط عناصرها، بالمنظومة المغربية، و معطياتها المتغيرة بإستمرار... و منفتح كذلك على أشكال الانتاج الحديثة، و أنماط الاستهلاك التقليدية، و الحديثة،  و المواكبة لمعطيات عصرنا الراهن بكل مستجداته، يجب ان تكون هذه الادارة أكثر تجردا، في التعاطي مع الشأن الاقتصادي، عن طريق الامتناع عن إستعمال الاقتصاد كأداة عقابية، من الناحية السياسية، و عبر منطق العقل السليم، و التجربة الانسانية، فما يؤثر في الجزء يؤثر في  الكل...

خاتمة :

و بالتالي اي محاولة تهميش لفئة معينة من المواطنين، من ذوي الحقوق، تؤثر على  الجميع، و إن لم يشعروا بها، و بناء على ما سبق فأسباب الازمة، و الفشل الاقتصادي بالمغرب الرئيسة، هي الفساد الذي اصبح منظومة متحكمة، و مسيطرة، على كافة مناحي الاقتصاد، و لا يمكن الولوج الى هذا الاقتصاد، الا وفق رضى و شروط و معايير هؤلاء المحتكرين، و المتحكمين.


المشاركة التالية
لا تعليق
أضف تعليق
comment url

مشاركات مشابهة