الثقافة الإقتصادية
الثقافة الإقتصادية
تمهيد:
تعني الثقافة الاقتصادية، حجم المعرفة و العلم الاقتصادي، و السلوكات ذات البعد، و الهدف الإقتصادي الربحي، النفعي في مجتمع ما, و لدى الافراد الذين يتشكل منهم هذا المجتمع، و مدى القدرة على تداول و تناقل المعلومة الاقتصادية، و أهميتها، و وزنها من الناحية العلمية، في وعيون مخيال الافراد، و الاسر، و الكيانات الاقتصادية، فهي تعتبر أي المعلومة الاقتصادية، و مدى الاهمية، و القيمة المعطاة لها، مفتاح سحري للنجاح السريع، إنها طريق مختصرة لتحقيق أهداف كبرى و طموحات مهمة.
المؤشرات:
المؤشر الأول:
لننطلق من كون أغلب دول العالم تحقق معدل نمو متوسط مابين %5، و ما بين %7، إنها نسب نمو جبارة بالنظر إلى الموارد المحدودة، و الطموحات الجامحة، و الاليات المجندة لتحقيقها، لكن مع بعض التمعن في تجربة الصين مثلا، و التي تمكنت من تحقيق هدف معدل نمو كلي للإقتصاد، بلغ %10 كل سنة، لمدة عشر سنوات منتالية، أي إستطاعت مضاعفة الناتج الاجمالي القومي الصيني في فترة لم تتجاوز عشر سنوات، و هذه معجزة إقتصادية حقيقية تعجز كل دول العالم الاتيان بمثلها، و من الجيد أذا إعتبرنا هذه المعجزة معطى أول للانطلاق.
المؤشر الثاني:
المعطي الثاني هو معدل النمو الذي تحققه بعض الدول، ذات المعدلات الضعيفة جدا، و المتذيلة ترتيب معدلات النمو المحققة في العالم، و هنا لا ننظر في الاسباب، أو المبررات، او حتى هويات هذه الدول، لكن ننظر الى معدل النمو المتحصل في حد ذاته، و هنا تجدر الاشارة الى ان هذه الدول المشار اليها في هذا المعطي، هي تلك الدول التي لم تتجاوز فيها معدلات النمو فيها %0,8، إلى %3، رغم انها كمنظومات إقتصادية كانت تستطيع تجنيد مواردها البشرية، و المادية، و الطبيعية لتحقيق إستراتيجيات تنموية، تعطي نفس مفعول الاثر الإيجابي على الاقتصاد كما هو الامر بالنسبة للدول المجتهدة، و الصادقة في تطوير، و بناء منظومتها الإقتصادية، و للرفع من معدل النمو إلى مستوى يرتقي بأقل تقدير إلى تلبية الاساسيات، و الضروريات التي تؤسس لحركات النمو الكافية لتنفيذ الخطط المسطرة في مجال الاقتصاد، إنها مجرد مسألة ايجاد مهام و توزيعها، و تنفيذها بدقة، لتحقيق اهداف عملية، و واقعية، و بالشكل المطلوب بتنسيق مع بافي مكونات المنظومة...
الإنطلاق:
حتما الامر ينطلق من الثقافات الاقتصادية السائدة في المجتمعات، و طرق التفاعل، و التعامل مع هذه الثقافة، و حتى باللغة المؤسسة لقيم هذه الثقافات، و مفاهيمها، التي تحدد السلوكات الاقتصادية، و مدى نجاعتها في تحقيق الاهداف المرسومة سلفا عبر المخططات، و الاستراتيجات المتفق عليها، و التي هي موضوع تنفيذ، و عمل من طرف القائمين على الشأن الاقتصادي في كل بلد.
لذلك نجد ان معدل الدخل في المانيا مثلا كمتوسط هو 4000 يورو، لكن نجد مثلا ان روندا لايحقق الفرد سوى معدل دخل لا يتجاوز 1,17 دولار يوميا، و هو بذلك أضعف معدل دخل في العالم.
دور الثقافة الإقتصادية:
الثقافة الاقتصادية، و مدى انتشارها، و تأثيرها في المجتمعات، يصنع الفرق بينها على مستوى المعيشة، و ايضا حجم الثروة، و انتاجها، و بالتالي توزيعها للثروات الذي يضمن الامن، و السلم الاجتماعي، لاقامة حياة تكاملية في كل المجتمعات البشرية، عبر التنمية الاقصادية التي تؤطرها ثقافة البلد الاقتصادية، لتتحكم عناصر مثل: المهن، و الحرف، و العلوم، و الموارد الطبيعية، و موروث التجربة الاقتصادية التاريخية لكل شعب، و امة، فالمجتمع المتمكن افراده من علوم الاقتصاد أكثر براعة في معالجة، و تدبير المشاكل، و الازمات الاقتصادية، بل و الاستفادة من هذه الازمات نفسها، إذا توفرت لهذه الامة المعرفة، و الخبرات اللازمة لذلك، بخلاف الكثير من المجتمعات التي أهملت ثقافتها الاقتصادية، و معظم أفرادها يجهلون حتى المعطيات، و المؤشرات الحيوية الاقتصادية للبلدان التي يعيشون فيها، ، و يعيشون في ظل أزماتها الاقتصادية دون ان يجدوا لحلها سبيلا، و النمادج في هذا الباب كثيرة، صارخة، و واضحة تكشف الفوارق، و التباينات الحاصلة، حيث يكفي النظر إلى تقسيم العالم إلى دول متقدمة، و أخرى متخلفة، أو ما يسمى دول العالم الثالث، لإكتشاف أن المعيار الذي بني عليه هذا التصنيف هو المعيار الإقتصادي بالدرجة الأولى.
إستشهاد بواقع:
هنا لابد ان تستوقفنا تجربة الرئيس البرازلي لولا داسيلفا، في الفترة الرئاسية الاولى من حكمه، قبل الانقلاب عليه، حيث عمد الى إجراء بسيط ي، و محوري تمثل في دعم اسر الاطفال المتمدرسين ب 30 دولارا، عن كل طفل، لتشجييع التمدرس، و منع الهدر المدرسي، مع حجب هذه المنح عن الاسر التي لا ترسل اطفالها الى المدارس، او المتعثرين دراسيا لحثهم، و تشجيعهم على الدراسة لتغيير واقع البرازيل كلها، و ليس فقط واقعهم الخاص، لقد كانت هذه الخطة بمثابة الديناميت الذي فجر التنمية، و النمو في البرازيل، لقد تحولت البرازيل، من دولة تعيش على السياحة، و الرياضة، إلى بلد مصدر للمنتوجات المصنعة، و بكثافة، و مصدرة ايضا الى المواد الفلاحية، و العلوم، و التقنيات العلمية، و التكنولوجية ، لقد عاشت البرازيل تحولا سريعا نقلها من دولة تحتاج الى المساعدة، إلى دولة تستطيع تقديم المساعدات. انه قرار حقيقي بتغيير ثقافة البلد الاقتصادية، و قد نجح الرئيس لولا داسيلفا، في الانطلاق من معطى ذو تأثير حقيقي في وعي الناس، و هو التعليم، لنشر اللغة، و المفاهيم الاقتصادية، لتغيير هذه الثقافة النمطية، البسيطة، و التقليدية بإلنظر إلى رؤى، و مخططات مدروسة علميا، و مصنفة كإسترتيجيات حديثة، و معقدة، لتجاوزها موضوع تناقل معرفة، لتغيير السلوك، و الثقافة الاقتصادية، بإتجاه تحقيق اهداف كبرى معقدة، و متداخلة، لكنها هي التي تصنع التغيير في إقتصاد البرازيل.
نموذج مقابل:
بالمقابل لا بأس ان نُلقي الضوء على ثقافة إقتصادية ببلد آخر بعيد جدا عن البرازيل، و هو تايلاند، حيث الخدمات السياحية البدائية عبر بيع الاجساد، و الدعارة القانونية، ليجعل من بيع كرامة الإنسان مهنة، و نشاط تجاري، الأمر شبيه بتقنين الإتجار في البشر، هو النشاط المهيمن على مجمل إقتصاد البلد، و يشكل مورد الدخل الاساسي لفئة واسعة من عموم الشعب، لدرجة ان السياح بإمكانهم كراء، وإستغلال خدمات إمرأة عاملة في سوق، و تجارة الدعارة لمدة اسبوع بشكل قانوني تماما، و عبر وثائق، و عقود ايضا تنظم هذه التجارة الحاطة من الكرامة الإنسانية، يقع هذا في نظام سياسي على النمط الفيودالي تتحكم في ثقافته الميثولوجيا، و لم يستطع تجديد ثقافته الاقتصادية، بما ابقى الانسان الذي دوره السعي للنجاح عبر البحث، و الابداع، و الاختراع ، و الانتاج ... لصنع الثروة لنفسه، و لمجتمعه، و للإنسانية، ها هو ذات الانسان في هذه الثقافة الاقتصادية. مازال يمتهن نفسه، عبر نشاط تجاري بدائي يتحول فيه هو نفسه الى سلعة تتداول بشكل قانوني، ولها سعر محدد، و خدمات وفق شروط قانونية، و مادية ملزمة.
إستنتاج:
بالتالي المستوى الإقتصادي و المعرفي للافراد داخل كل مجتمع، يحدده مدى تطور هذه الثقافة الاقتصادية، و مدى تتبعه للمتغيرات الدائمة في الشأن الاقتصادي، من خلال مسار ترسمه اللغة الإقتصادية، و السلوك، و حجم العلم، و المعرفة الرائج داخل هذا المجتمع أو ذاك، ليرفع من مستواه المهني و دخله، مما ينعكس على مستوى، و جودة الحياة، و على مساهمة الفرد الاقتصادية، و العلمية في بناء مجتمعه، اما المجتمعات، و البلدان المتقدمة إقتصاديا، لا بد ستجد ان الامر لا يرتبط بعدد الخريجين من التعليم المتخصص في المجال الاقتصادي، بل ان الامر ثقافة تشمل كل السلوكات الربحية، و التخصصات العلمية مهما تعددت و تنوعت، هذه التخصصات، و المعرفية بين النظرية، و التطبيقية، لأن الامر ناتج عن مدى إنتشار ثقافة الاقتصاد، و مفاهيمه، و العمل بهذه الثقافة، و معطياتها، و مدى قدرة المواطن في هذا البلد، او ذاك على الولوج الى الاقتصاد، و تعاملاته العملية بما فيها اللغة الإقتصادية، و المعاملات، و العلاقات و النشاطات المهيمنة، و مستوى التعليم، و مدى الشفافية، و الوضوح العلمي في تداول المعلومة ذات البعد الاقتصادي، لتعم الفائدة منها على المجتمع، و الدولة، و الافراد، و الاسر.
المميزات عبر طبيعة الثقافة الإقتصادية:
حيث قوة الثقافة:
ايضا لازمة اخرى تنطبع بها المجتمعات ذات الثقافة الاقتصادية القوية، هو ميل أفرادها الى العمل وقت اطول، و الوعي يكون عندهم اكبر بالعمل كقيمة، و وفقا للانساق القانونية، و الإجتماعية القائمة في هذه المجتمعات، و العمل من تنظيمات، و كيانات، و إن تنوعت القطاعات المتشكلة منها، بدورها تظل في النهاية معطيات علمية، و قانونية على شكل تنظيمات مقاولاتية، او شركات، و معها صفقاتهم، و معاملاتهم المحمية بالشفافية، و تكون ايضا في دائرة القانون، بسبب علمهم بدور القانون، و دور الثقافة القانونية الإقتصادية في تعزيز و حماية مزاولة أي نشاط مهني، أو تجاري، أو اقتصادي، و الالتزام الحقيقي من طرف الدولة، و القضاء، بحمايتهم، و حماية حقوقهم.
نتئج الضعف:
بينما في البلدان حيث الثقافة الاقتصادية متواضعة، تقريبا كل المعطيات، و المعاملات، و الانشطة الاقتصادية تكون في السوق السوداء، بما يقلص من الموارد، و المداخيل الضريبية، و المالية للدول، و يبدد الحقوق العامة الواجبة تحصيلها من كل مصادر الثروة الخاصة للافراد، و الكيانات بما يحقق المنفعة العامة، و يقيم المصالح العامة، و يحفظ الحقوق الخاصة، هذه المداخيل الضريبية تسمح للدول بتدبير الشأن العام، و الاحتياجات المترتبة على ذلك، بما يرتقي بمستوى المواطنين، و مستوى حياتهم، و بما يمكن الدول ايضا من الخروج نهاية كل سنة بحصيلة إجابية للإقتصاد، و تقييم يسمح لها برسم معالم المرحلة الاقتصادية المقبلة في حياة كل الشعوب و الامم، إن غياب إنتشار الوعي بمعطيات الثقافة الإقتصادية، لا يكون بديلا عنه سوى الجهل الذي ينتج حالة من الفوضى تمنع تشكل أي نسيج إقتصادي، أو مقاولاتي، بل يمنع كل أشكال التطور، و التبلور للتجربة الإقتصادية داخل أي مجتمع، و منظومته، الوضع فعلا يحول الأطراف المكونة لأي منظومة إقتصادية جزرا معزولة، لأن دور الثقافة الإقتصادية الأساسي هو خلق بيئة مشتركة ينشأ عنها سوق تجاري، و إقتصادي بكل القطاعات المشكلة للقتصاد، كما يتركز دور الثقافة الإقتصادية أكثر في صناعة منظومة مندمجة، و متكاملة، و منسقة، قادرة على تويع الأدوار لتحقيق تكامل يؤسس لمنومة ثقافية جامعة لكل الفاعلين الإقتصاديين في كل مجتمع، على أساس الإنتماء.
إستنتاج:
على ضوء ما سبق يتضح ان أي مجتمع، او بلد يتقن مواطنوه معطيات ثقافتهم الاقتصادية، حتما هم يتقنون أيضا صنع النجاح الفردي بإمتياز، فكيف حال القادة داخل هذه المجتمعات ؟، اكيد ان قادتهم من المتفوقين بشكل غير عادي، و من النوابغ في مجال الاقتصاد، لان الدرجة التي يحتاج ان يصل اليها قادة، و خبراء إقتصاد ما، مواطنو بلدانهم متطورون اقتصاديا، يجب ان يكون هؤلاء القادة في هذا المستوى ذوي رؤى إستشرافية، و قوة إقتراحية غير عادية لاجتراح، و طرح الحلول حول المعضلات الاقتصادية، و القدرة على تدبير الازمات، و الاستفادة منها، بل و فتح الافاق امام المنظومة للتطور البعيد المدى الذي يصل في بعض المخططات الاقتصادية الى مئات السنين، و بأقل تقدير عشرات السنين بإتجاه المستقبل.
بالنتيجة:
اكيد ان مجتمعات كهذه حجم الثروة فيها اكبر من غيرها، و الازدهار، و الرخاء، و الوفرة، و قيم اخرى مهمة، و حيوية في عصرنا هي التي تؤثث المشهد الاقتصادي داخلها، و كنموذج على هذا النوع من المجتمعات هناك المانيا، فهي رابع اكبر إقتصاد في العالم، و تتميز بقوة الابتكار، و الاختراع، و التصنيع الكثيفن و السريعن و الاعتماد على الصادرات، و المقاولات المتوسطة، لأن عددها كبير جدا في ألمانيا، مقارنة بإقتصاديات دول اخرى، تعتبر مهمة في العالم، و تتجه ثقافة الاقتصاد الالماني، نحو نهج اسلوب إقتصاد حر، و مفتوح لكنه إجتماعي، و بيئي، من هنا يظهر مدى تطور، و متانة الثقافة الاقتصادية في المانيا، إلى درجة ان الاحزاب السياسة، في الحملات الانتخابية، تتنافس على اساس برامج إقتصادية مسيسة، و بالارقام، أكثر من كونها برامج سياسية، و في المانيا دائما، أحصي في سنة 2021، حوالي 260، عنوان مطبوع، بعدد 2,2، مليون نسخة ورقية فقط، ناهيك عن المعطيات الاقتصادية المتداولة عبر الجرائد الالكترونية، وسائل التواصل الاجتماعي، و التي تصل المعلومة عبرها الى ما بين يدي كل فرد بشكل حتمي، %60، من وسائل الإعلام هذه بمضامين و تخصصات إقتصادية.
الشخصية الألمانية:
تتميز شخصية الانسان الالماني، بكونه طموح، و خجول، و غير إجتماعي بسبب إنشغاله الدائم بالعمل، كما تتميز شخصية الالمان بالكثير من الجدية، و الالتزام، و الوفاء... و تتميز أكثر عن غيرها بقضاء معدل 10 ساعات يوميا في العمل كمعدل وطني بالنسبة لهذا الشعب، الذي يوصف بالماكينة في وسائل الاعلام، بسبب القدرة على العمل الكثير، الكثيف، و بإتقان، و جودة عالية، و يتميز الالمان بشخصية فضولية بالشكل الايجابي للمعرفة الإقتصادية، مما جعلها شغوفة بالبحث، و التطوير ايضا، الذي يعد عنصرا موجه لكل الاقتصاد الالماني، بما فيها بقية القطاعات الغير إقتصادية، كالاجتماعي، و السياسي، او حتى العلاقاتي، انه الموضوع الذي يستفيق و ينام عليه الالمان، و هو عنوان النجاح الحقيقي الذي يحققه الشعب الماكينة الجبارة، كما يلقب، و يستحق هذا اللقب، فخبراء، و علماء لاقتصاد هم أصحاب الكلمة الفصل، و الفاصلة، في كل القرارات، حتى على مستوى الديبلوماسية و الخارجية.
إن الثقافة الاقتصادية الالمانية، جعلت من كل البيوت في العالم، تحتوي على منتوجات كتب عليها، صنع في المانيا، و عندما تكون ثقافة البلد الاقتصادية قوية فإنها تصبح مثال يحتذى به، ، حتى ان جودة المنتوجات المصنعة في المانيا مضرب مثل في العالم، و تباع بأعلى الاسعار في الاسواق، دون قدرة اي جهة على منافستها.
ثقافة الكسل:
مدخل:
يقول الحكماء و الفلاسفة، إن قيمة الشيء تكمن في ضده، و إذا كانت الثقافة الاقتصادية الجيدة، و الناجحة، هي التي تكون ثقافة إجتهاد، و عمل، فيجب ان ننظر الى نقيضها و نبحث في أكثر المجتمعات كسلا، بالتحديد هذا ماقام به أستاذ الهندسة البيولوجية، سكوت ديلب، في جامعة ستانفورد الامريكية، من خلال دراسة هي الاضخم من نوعها في العالم في هذا المجال، شملت عينات من المتطوعين، بلغ عددهم 717 الف شخص، منتشرين في 111 دولة من دول المعمورة، موضوع الدراسة ، هو الاجابة عن سؤال، مفاده: ما هي الشعوب الاكثر كسلا في العالم ؟.
الترتيب العالمي:
من خلال تتبع حركة المتطوعين في هذه الدراسة، و نشاطهم اليومي من خلال تتبع حركتهم و تنقلاتهم، بواسطة تطبيق خاص وضع في هواتفهم الجوالة، إمتدت الدراسة على مدى 68 مليون يوم من الرصد، و التحليل للمعطيات المتحصلة، و الموثقة عبر التطبيق.
الصادم في هذه الدراسة ان الدول الاكثر كسلا هي دول إسلامية، حيث إحتلت أندونيسيا المركز الاول بمعدل 3,513 خطوة في اليوم، في الوقت الذي إحتلت فيه هونغ كونغ الموقع الاول من حيث السكان الاكثر نشاطا في العالم، بمعدل 6,880 خطوة يسيرها سكان هذه المدينة الاكثر نشاطا، و حركية من غيرهم في الكوكب، مباشرة بعد اندونيسيا، حلت العربية السعودية في المركز الثاني عالميا للكسل، بمعدل 3,807 خطوة في اليوم، ثم قطر سادسة في هذا الترتيب بمعدل 4,158 خطوة في اليوم، بعدها مباشرة حلت مصر تاسعة بمعدل 4,315 خطوة يوميا، ثم جاءت الامارات في الرتبة 11 عالميا كأكثر الشعوب كسلا في العالم بمعدل 4,516 خطوة في اليوم.
تحليل:
يمكن تفسير إحتلال دول إسلامية المراتب الاولى في العالم، في ترتيب الشعوب الاكثر كسلا، على الرغم من ان القرآن كعقيدة للمسلمين، حمل أوامر واضحة بضرورة العمل من خلال الاية الكريمة التي مفادها، و إعملوا فسير الله عملكم و رسوله و المؤمنون... و حث رسول الاسلام على العمل و إتقانه ايضا .
يجد الامر تفسيره أكثر في كون طبيعة إقتصادات هذه الدول هي اقتصادات ريعية، لم يتم الاستثمار فيها بالشكل الامثل، للموارد الريعية لاحداث تحول و نقلة نوعية، في نشاطات الاقتصاد بإتجاه قطاعات الصناعة، و الخدمات، و الفلاحة، كما لم يتم الاستثمار في تحضير العنصر البشري، و تأهيله عبر التعليم، لاحداث مثل هذه التحولات في البنية العقيدة الاقتصادية.
بيئة بدون ثقافة إقتصادية:
في بوروندي:
بحكم ان معدل الدخل اكثر مؤشر يعبر عن مدى تطور الثقافة الاقتصادية، نورد نموذج لاضعف معدل دخل في العالم، و هو المحصل، في دولة بوروندي، حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي على اساس سنوي لم يتجاوز 850 دولار، بصغية اخرى 2,3 دولار في اليوم كمعدل دخل للفرد، هذا البلد كان يعاني من الحروب الاهلية على اساس عرقي، بين الهوتو و التودسي، و هي على رأس قائمة الدول الاكثر فقرا في العالم.
إلى جانب التاريخ الطويل من الحرب العرقية، و آثارها المدمرة هناك معطى سجلته المؤسسات المالية الاقتصادية، و البحثية الدولية، و هو معطى الفساد الذي يسجل في هذا البلد أعلى المعدلات على الاطلاق في العالم، و هذين عنصرين كافيين لجعل معدل النمو يصاب بالانهيار، السؤال هنا هل إذا كانت الثقافة الاقتصادية متطور، و حديثة، و قوية، هلأ كان سيعاني سكان دولة بروندي من هذه التفرقة التي بدل ان تجعل من اختلافهم رأسمال للشراكة الاقتصادية، و فرصة للتعامل الانساني الجدي والحقيقي، المبني على تبادل المنافع و المعرفة، و الفيم الانسانية، في اطار من الاحترام، قصد جعل الاقتصاد بوابة لمد الجسور المقطوعة، على اساس اننا نتحدث عن الثقافة الاقتصادية، التي لا تتأتى إلا بعد التدرج في المعرفة بمختلف العلوم، و تراكم التجربة التاريخي في مسار الدول، و الشعوب، بما يخلق ذاكرة إقتصادية، و يخلق اقرب طريق لتحقيق اسمى، و ارقى درجات المعرفة، و القيم الانسانية، التي هي أكبر تعبيرعن المصالح الاقتصادية، عندما تبنى بشكل عادل، و منصف، و شفاف حتى تكون بدورها اهم العناصر التي تفرز الاستقرار، و الامن، و السلم الاجتماعي، و هي كذلك مكونات تأسيسية لبناء الحضارة الانسانية، لأان العالم، و المعرفة هي تأسيس فعلي لكل أنواع البناء الإقتصادي، و عبر المنافع، و القيم الاقتصادية، و الإنسانية.
الأسباب العميقة:
ايضا يجب طرح سؤال مهم في هذا الصدد، مفاده: هل كانت بروندي ستصل الى حالة الانهيار، و الشلل الاقتصادي التام في مرحلة ما، بدون مخططات اقتصادية، او بنية تحتية، و برامج التهيئة المجالية، ومعدلات النمو، و مؤشرات التنمية البشرية، هي الاضعف في العالم، بهذا البلد، حيث تحتل بوروندي المرتبة 162 في سلم ترتيب الدول الاكثر فسادا في العالم، هذا المعطى يوضح درجة تبني، و قبول ثقافة غير قانونية، و غير شفافة، في تدبير معطيات حساسة، يبنى عليها من اجل تحقيق المصالح الشخصية على حساب كامل المنظومة الإقتصادية.
إستطراد:
نوع الاقتصاد السائد، و الاثر المترتب عنه، و الذي يظهر في مستوى، و أداء المنظومة الاقتصادية، يحدد كل الآفاق الممكنة في مستقبل، و حاضر هذا الإقتصاد، و إن الحديث عن بروندي هنا ليس الهدف منه الانتقاص من هذا البلد، و لكن فرض الحديث عنها ارقام المرشرات، و خطورتها حسب تحذيرات المؤسسات الدولية، إلى درجة أصبح من الضروري على المسؤولين في هذا البلد، البدء في التواصل مع عموم المواطنين فيه، و التحسيس بخطورة الوضع على هذا البلد الافريقي العريق، و بالتالي العودة من حيث انطلقنا و هو الثقافة الاقتصادية، و أهميتها إبتداءا من اللغة الإقتصادية، ومصطلحاتها، و المفاهيم المتشكلة منها، الى التطبيقات العملية للأفكار، و المشاريع، و الخطط، و الاستراتيجيات، التي يجب ليس فقط ان تمكن من عملية بناء عميقة، و معقدة، و جادة، بل تأخذ بعين الاعتبار ضرورة إستدراك زمن طويل ضاع في الحرب، و الهدم، بدل البناء، و العمل، و التطور...
خلاصة:
تعمل الثقافة الإقتصادية دور صمام الأمان، الذي يجعل النسيج الإقتصادي، و الإجتماعي في أي بلد متماسك، و متكاثف، بالشكل الذي يفرز، سيرورة من التطور، و التبلور الذي يمكن البناء عليه، للقول أن هناك حقا، تراكم تاريخي في البناء الإقتصادي، بما يصنع منظومة مستقلة، و متكاملة، تتوفر فيها عناصر تمكن من التطور بالشكل الذي يمكن أفراد، و كيانات المجتمع الإقتصادي، من التوفر على سوق قائمة بذاتها، و منظومة إقتصادية يسهل العمل فيها، و إبجاد مكان للعمل، و الرقي، و السعي، و الكسب، و هذه من أبسط الحقوق التي تولدها أي ثقافة إقتصادية.